المباركة عن حياة الانبا كاراس يرسلها لاصدقاءة هينول بركة القديس العظيم
يقول لنا أنبا بموا أعلمكم يا أخوتي بما جرِى في يوم من الأيام سمعت صوتاً يقول لي ثلاث مرات يا بموا يا بموا وهنا لفت انتباهي أن هذا الصوت من السماء وغير مألوف لدي ، إذ لم يناديني أحد بأسمي كثيراً فرفعت عيني إلى السماء وقلت تكلم يا رب فإن عبدك سامع. فقال لي الصوت "قم يا بموا وأسرع عاجلاً إلى البرية الجوانية حيث تلتقي بالأنبا كاراس فتأخذ بركته لأنه مكرم عندي جداً أكثر من كل أحد لإنه كثيراً ما تعب من أجلي ، وسلامي يكون معك".
فخرجت من كنيستي وسرت في البرية وحدي في فرح عظيم وأنا لست أعلم الطريق في يقين ثابت أن الرب الذي أمرني سوف يرشدني ومضى ثلاثة أيام وأنا أسير في الطريق وحدي وفي اليوم الرابع وصلت لأحدى المغارات، وكان الباب مغلقاً بحجر كبير فتقدمت إلى الباب وطرقته كعادة الأخوة الرهبان أغابي (أي محبة) بارك علي يا أبي القديس وللوقت سمعت صوتاً يقول لي "جيد أن تكون هنا اليوم يا بموا كاهن كنيسة جبل شهييت الذي استحق أن يكفن
القديسة الطوباوية إيلارية ابنة الملك زينون.
ثم فتح لي الباب ودخلت وقبلني وقبلته ثم جلسنا نتحدث بعظائم الله ومجده فقلت له يا أبي القديس هل يوجد في هذا الجبل قديس أخر يشبهك فتتطلع إلى وجهي وأخذ يتنهد ثم قال لي يا أبي الحبيب يوجد في البرية الجوانية قديس عظيم، العالم لا يستحق وطأة واحدة من قدميه وهو الأنبا كاراس. وهنا وقلت ثم قلت له : إذن يا أبي (سمعان القلاع) وأنا لي اليوم ستون سنة لم أنظر في وجه إنسان واتقوت في كل يوم سبت بخبزة واحدة أجدها موضوعة على هذا الحجر والذي تراه خارج المغارة وبعد أن تباركت منه سرت في البرية ثانياً ثلاثة أيام بين الصلاة والتسبيح حتى وصلت إلى مغارة أخرى كان بابها مغلقاً فقرعت الباب وقلت "بارك علي يا أبي القديس" فاجابني حسناً قدومك إلينا يا قديس الله أنبا بموا الذي استحق أن يكفن جسد القديسة إيلارية ابنة الملك زينون ، أدخل بسلام فدخلت ثم جلسنا نتكلم وقلت له : علمت إنه في هذه البرية قديس آخر يشبهك فإذا به يقف ويتنهد قائلاً: الويل لي أعرفك يا أبي أن داخل هذه البرية قديس عظيم صلواته تبطل الغضب الذي يأتي من السماء هذا الذي هو حقاً شريك للملائكة فقلت
له: وما هو اسمك يا أبي القديس فقال لي اسمي (أبامود القلاع) ولي في البرية تسعة وتسعون سنة وأعيش على هذا النخيل الذي يطرح لي التمر وأشكر المسيح وبعد أن باركني خرجت من عنده بفرح وسلام وسرت قليلاً وإذا بي أجد أني لا أستطيع أن أسير وبعد مضى الوقت فتحت عيني فوجدت نفسي ... أسير أمام مغارة في صخرة في جبل فتقدمت ناحية الباب وقرعت وقلت: أغابي وللوقت تكلم معي صوت من الداخل قائلاً حسناً أنك أتيت اليوم يا أنبا بموا قديس الله الذي استحق أن يكفن جسد القديسة إيلارية ابنة الملك زينون. فدخلت المغارة وأخذت أنظر إليه لمدة طويلة لأنه كان ذا هيبة ووقار. فكان إنسان منير جداً ونعمة الله في وجهه وعيناه مضيئتان جداً وهو متوسط القامة وذو لحية طويلة لم يتبقى فيها إلا شعيرات سوداء قليلة ويرتدي جلبابا بسيطاً وهو نحيف الجسم وذو صوت خفيف وفي يده عكاز.
ثم قال لي لقد أتيت اليوم وأحضرت معك الموت لأن لي اليوم زمن طويل في انتظارك أيها الحبيب ثم قلت له ما هو أسمك يا أبي القديس؟ فقال لي اسمي : كاراس ، قلت له : وكم من السنين لك في هذه البرية؟ قال: مند سبع وخمسين سنة لم أنظر في وجه إنسان وكنت أنتظرك بكل
فرح واشتياق ثم مكثت عنده يوماً وفي نهاية اليوم مرض قديسنا الأنبا كاراس بحمى شديدة وكان يتنهد ويبكي ويقول الذي كنت أخاف منه. عمري كله جائني فيا رب إلى أين أهرب من وجهك ، كيف أختفي حقاً... ما أرهب تلك الساعة ... كرحمتك يا رب وليس كخطاياي.
ولما أشرقت شمس اليوم الثاني كان الأنبا كاراس راقداً لا يستطيع الحراك وإذ بنور عظيم يفوق نور الشمس يضئ على باب المغارة ثم دخل إنسان منير جداً يلبس ملابس بيضاء ناصعة كالشمس، وفي يده صليب مضئ. وكنت في ذلك الحين جالساً عند قدمي القديس كاراس.
وقد تملكني الخوف والدهشة وأما هذا الإنسان النوراني فقد تقدم نحو الأنبا كاراس ووضع الصليب على وجهه ثم تكلم معه كلاماً كثيراً وأعطاه السلام وخرج. فتقدمت إلى أبينا القديس الأنبا كراس لأستفسر عن هذا الإنسان الذي له كل هذا المجد فقال لي بكل ابتهاج... هذا هو السيد المسيح وهذه هي عادته معي كل يوم يأتي إلي ليباركني ويتحدث معي ثم ينصرف فقلت له يا أبي القديس أني اشتهي أن يباركني رب المجد فقال لي: أنك قبل أن تخرج من هذا المكان سوف ترى الرب يسوع في مجده ويباركك ويتكلم معك أيضاً .. ولما بلغنا اليوم
السابع من شهر أبيب وجدت الأنبا كاراس قد رفع عينيه إلى السماء وهي تنغمر بالدموع ويتنهد بشدة ، ثم قال لي: أن عموداً عظيماً قد سقط في صعيد مصر وخسرت الأرض قديساً لا يستحق العالم كله أن يكون موطئاً لقدميه. أنه القديس الأنبا شنودة رئيس المتوحدين وقد رأيت روحه صاعدة إلى علو السماء وسط ترتيل الملائكة وأسمع بكاءاً وعويلاً على أرض صعيد مصر كلها وقد اجتمع الرهبان حول جسد القديس المقدس يتباركون منه وهو يشع نوراً ولما سمعت هذا أحتفظت بتاريخ نياحة الأنبا شنودة في السابع من أبيب.
وفي اليوم الثامن من أبيب (15 يوليو) أشتد المرض على أبينا الأنبا كاراس وفي منتصف هذا اليوم ظهر نور شديد يملاْ المغارة ودخل إلينا مخلص العالم وأمامه رؤساء الملائكة ميخائيل وغبريال ولفيف من الملائكة ذو الستة أجنحة وأصوات التسابيح هنا وهناك مع رائحة بخور.
وكنت جالساً عند قدمي الأنبا كاراس فتقدم السيد المسيح له المجد وجلس عند رأس الأنبا كاراس الذي أمسك بيد مخلصنا اليمنى وقال له: من أجلي يا ربي والهي بارك عليه لأنه قد أتى من كورة بعيدة لأجل هذا اليوم فنظر رب المجد إلي، وقال : سلامي يكون معك يا بموا
الذي رأيته وسمعته تقوله وتكتبه لأجل الانتفاع به. أما أنت يا حبيبي كاراس فكل إنسان يعرف سيرتك ويذكر اسمك على الأرض فيكون معه سلامي وأحسبه مع مجمع الشهداء والقديسين وكل إنسان يقدم خمراً أو قرباناً أو بخوراً أو زيتاً أو شمعاً تذكاراً لأسمك أنا أعوضه أضعافاً في ملكوت السموات وكل من شبع جائعاً أو يسقي عطشاناً أو يكسي عرياناً أو يأوي غريباً باسمك أنا أعوضه أضعافاً في ملكوتي ومن يكتب سيرتك المقدسة أكتب أسمه في سفر الحياة وكل من يعمل رحمة في يوم تذكارك أعطيه ما لم تراه عين وما لم تسمع به أذن وما لم يخطر على قلب بشر والآن يا حبيبي كاراس أريدك أن تسألني طلبة أصنعها لك قبل انتقالك.
فقال له الأنبا كاراس : يا ربي لقد كنت أتلو المزامير ليلاً ونهاراً وتمنيت أن أنظر داوود النبي وأنا في الجسد وفي لمح البصر جاء داوود وهو يمسك بيد قيثارته وينشد مزموره هذا هو اليوم الذي صنعه الرب فلنفرح ونبتهج به. فقال الأنبا كاراس أنني أريد أن أسمع العشرة دفعة واحدة، والألحان والنغمات معاً فحرك داوود قيثارته وقال: كريم أمام الرب موت أحباؤه وبينما داوود يترنم بالمزامير وقيثارته وصوته الجميل وبينما
القديس في ابتهاج عظيم إذا بنفس القديس تخرج من جسده المقدس إلى حضن مخلصنا الصالح الذي أخذها وقدمها وأعطاها لميخائيل رئيس الملائكة ، ثم ذهبت أنا بموا وقبلت جسد القديس كاراس وكفنته ، فأشار لي رب المجد بالخروج من المغارة فخرجت ثم خرج هو مع الملائكة بترتيل وتسابيح أمام نفس القديس وتركنا الجسد في المغارة ووضع رب المجد يده عليها فسارت كأن ليس لها باب قط يفتح وصعد الكل إلى السماء بفرح. وبقيت أنا وحدي واقفاً في هذا الموضع حتى غاب عني هذا المنظر الجميل ثم أغلقت عيني من شدة النور والمنظر الجميل وعندما فتحت عيني وجدت نفسي أمام مغارة أبينا الأنبا أبامود القلاع فأقمت عنده ثلاثة أيام ثم تركته وذهبت إلى الأنبا سمعان القلاع ومكثت معه ثلاثة أيام أخرى ثم تركته ورجعت إلى جبل شهيت حيث كنيستي. وهناك قابلت الأخوة كلهم وقلت لهم سيرة القديس الطوباوي الأنبا كاراس السائح العظيم وكلام قديسنا الأنبا شنودة رئيس المتوحدين.
وبعد خمسة أيام جاءت إلينا رسالة من صعيد مصر تقول أن القديس الأنبا شنودة رئيس المتوحدين قد تنيح بسلام في نفس اليوم الذي رآه الأنبا كاراس.
بركة السيدة العذراء أم
النوروالقديس الأنبا شنودة رئيس المتوحدين والأنبا كاراس السائح تكون معنا ولربنا المجد الدائم إلى الأبد أمين.
عن مخطوط
بدير السيدة العذراء والأنبا يحنس كاما
(السريان)